نشر في:
قبل شهور اختفت ظاهرة التسول من شوارع عمان.
و بالكاد ان تعثر على متسول على إشارة ضوئية او بوابة مسجد او مطعم او مول، أو جامعات او بنوك، او سوبر ماركت.
و صديق عربي يعمل مراسلا لصحيفة اجنبية زار عمان، وأجرى تحقيقات استقصائية اجتماعية، وبطلوع الروح عثرنا على متسول ليجري حوارا صحفيا معه.
جهد اصلاحي اجتماعي لوزارة التنمية الاجتماعية كان ملموسا على الأرض.. صراحة، وكنت أتوقع اعلان تصفير ظاهرة التسول في عمان. شبكة التسول في عمان تعدادها 250 طفلا وشابا، موزعين جنسيا : اناث وذكور.
و في اخبار وزارة التنمية الاجتماعية عن اعداد لضبوطات متسولين خلال الأعوام الماضية 2020 /2021 اتحدى ان الرقم غير حقيقي، وكما جاء في الاخبار، فان الوزارة ضبطت في العامين المذكورين ما بين 11 الفا الى 13 الف متسول.
ارقام وزارة التنمية الاجتماعية مسيسة ودعائية.. ووفقا لمصادر ذات صلة، فان عدد المضبوطين لا يتجاوز الفي متسول.
شبكة 250 متسولا تدخل عمان صباحا، وتغادرها مساء، وبعد الغروب توزع مناوبات ليلية على المتسولين، ولاحظوا ان المتسولين ينتقلون كل يوم من إشارة ضوئية إلى أخرى، من مسجد ومطعم وبنك الى اخر. ومن بين ضبوطات وزارة التنمية الاجتماعية أبرياء يقعون ضحايا لموظفي مكافحة التسول.
و انا اعرف حالات كثيرة، واخبرني صديق قبل أيام ان والدته تم ضبطها بالقرب من صراف آلي بتهمة التسول.
و العجوز الطيبة واللطيفة والبريئة كانت تريد ان تسحب فلوسا من الصراف، وطالبت احد المارة بان يساعدها ويرشدها على استعمال الصراف. وسيدة أخرى تعبت من المشي، وكانت خارجة من عيادة طبيب، وجلست على الرصيف، وطلبت من شاب مار بان يشتري لها علبة ماء، وتم ضبطها بتهمة التسول.
و السيدة من فاعلي الخير في الأردن، ويدها البيضاء لها فضل على عائلات اردنية مستورة. وفي سجلات وزارة التمية الاجتماعية كادت السيدة الفاضلة ان يقيد اسمها بتهمة التسول.
اقدر جهد فرق محاربة التسول التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية .. ولكن المهم ليس ضبط أطفال ومراهقين وشباب ورميهم في «بوكسات» الشرطة، ورصد اعداد متسولين وتقييدهم في السجلات، ونشرهم أرقاما في الاعلام. و صراحة هناك أخطاء وعثرات كبرى في ملف محاربة التسول. ويزج بمارة بالشوارع وضحايا أبرياء لحملات محاربة التسول.
مراهق يساعد والده في بسطة بطيخ وخضار.. هل هذا يعتبر متسولا ؟ و اذا ان البسطة غير قانونية فهذا من صلاحية امانة عمان والبلديات المختصة ؟ و اما ان يسحب مراهق من بسطة خضار، ويضبط بتهمة التسول، ويودع الى مركز الإصلاح والتأهيل، فهذا جرم اكبر واخطر من التسول بحد ذاته.
و لاحظوا معي.. ما بعد ضبط المتسولين، القانون لا يمنح موظفي وزارة التنمية الاجتماعية ومكافحة التسول تحديدا في إيداع أطفال ومراهقين في مراكز اصلاح دون اذن قضائي.
نعم، القانون يعاقب المتسول. ولكن الاجدر أولا التحقق من جرم التسول، وحيثيات الوقوع في الجرم وارتكابه بالأدلة والبراهين والاستقصاء والتحري .
يوما بعد يوم الوضع الاقتصادي من سيئ الى أسوأ ولعين، والناس في الأردن : سكان اصليون ولاجئون يطاردون بمرارة وقسوة وراء لقمة عيشهم. فلا الموظف راتبه الشهري كاف لسد حاجات واساسيات وضروريات عيشه، ومعدل الفقر والبطالة يزدهر ويقفز الى ارقام متطرفة.
و ثمة فارق لا يميز في سياسة وزارة التنمية الاجتماعية ما بين المتسولين على انواعهم، والتسول المنظم وهو الذي يضم 250 متسولا في عمان، والتسول العفوي، لمن يعاني من مرض وجنون وفقر مزمن ومدقع، ومن هو مهدد في التشرد والنوم في الشوارع.