يرتبط الاعلام الرقميّ بمجموعة من المفاهيم والمصطلحات المترادفة التي تدخل في نفس السياق المفاهيمي؛ أهمها الاعلام الجديد، اعلام الجيل الرابع، اعلام شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة. ولعلّ هذا التداخل والترابط بين المفاهيم يعود الى ما تشهده الثورة الرقمية المتسارعة التي لا زالت تعصف بوسائل الاعلام منذ اعلان الالفية والتي ادت بدورها الى انشاء ادوات اعلامية متسارعة التطور ووسائل اتصال وتواصل أكثر بساطة واسرع وصولاً الى الجمهور بأقل تكلفة وجهد.
إذا اردنا امعان النظر نجد ان مفهوم التربية الاعلامية الرقمية مفهود جديد في تخصص الاعلام فهو يعني مجموعة من المفاهيم الاساسية والمهارات والسلوكيات الخاصة بالفرد التي تمّكنه من توظيفها للتعامل مع التكنولوجيا المتطورة والقدّرة على اجراء التحليل والمقارنة سواء التفكير التحليلي او التفكير الناقد لأجل الوصول الى انشاء جيل قادر على اجراء تحليل منطقي لفهم الهدف والغاية من الرسائل الاعلامية وعلاقتها بالسياق الاجتماعي والثقافي.
وقبل هذا وذاك لا بد لنا من معرفة العناصر الاساسية التي تشتمل عليها التربية الاعلامية الرقمية سواء كان ذلك من عنصر تحليل أهداف التربية الاعلامية الرقمية والمناهج التحليلية المستخدمة أو بيان نتائج عمليات التحليل لما تم رصده في شبكات التواصل االجتماعي وعمل مقانة ومقاربة بين تأثير وسائل الاعلام القديم ووسائل الاعلام الجديد وهل يستلزم ذلك التوسع في انشاء التخصصات الاكاديمية ذات العلاقة لتدريس هذا الموضوع وفق الطرق العلمية السليمة.
وأهم ما يتوجب علينا التطرق اليه في هذا السياق هو الاجابة على التساؤل الذي يطرح نفسه لماذا نتحتاج الى تربية اعلامية رقمية وما علاقة ذلك في ظل ما نشهده من تسارع في وتيرة الاشاعات وتأثيرها على السياق الاجتماعي والثقافي؟
إنّ الاجابة على ذلك التساؤل تأتي من التعرف على الغاية الاساسية للتربية الاعلامية الرقمية التي تهدف الى حماية جيل الشباب من التأاثيرات السلبية لوسائل الاعلام الحديثة ومضمامينها من خلال تنمية مهارت التفكير الناقد والتفكير التحليلي لمضمون الرسائل الاعلامية المختلفة المقصودة وغير المقصودة اضافةً الى العمل تعزيز الهوية الثقافية وانشاء جيل واع مبدع يمتلك مهارات ريادية يساهم في تنمية البلاد عبر العمل على تزويده بمجموعة من المعارف لفهم الايدولوجيات الخاصة بوسائل الاعلام وتزويده كذلك بالثقافة الاعلامية الهادفة لنقد وتحليل ما يشاهد ويتلقى. واكسابه لمبادئ وضوابط تقودهم الى اكتساب الحس النقدي الايجابي الذي ينأى بهم عن الاستهلاك السلبي للمحتويات الرقمية وتحصينهم واكسابهم مناعة تجعلهم قادرين على فهمها والتعامل معها وانتاجها وتبادلها سيما في ظل ما نشهده من متغيرات متتالية لكيفية بث الرسائل الاعلامية.
أما عن علاقة الاعلام الرقمي بالشائعة فلطالما كانت شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة أساسية يعتمد عليها مروجو الشائعات المحترفون منهم والهواة كونها عملت على تقديم فضاءاً عالمياً فورياً يجعل الشائعة تنتشر انتشار الضوء بحكم انّ شبكات التواصل الاجتماعي تتمدد في فضاءات الانترنت ويصبح انتشار الشائعة رهينا بترميزها والقائها في أحد خلايا الشبكة وتبدأ رحلتها في كافة الاتجاهات بطرق مختلفة. فكانت النتيجة انّ البيئة الرقمية زودت محترفي صناعة الشائعة ومروجيها بأدوات اشتغال تمكنهم من جعل الشائعة أكثر اقناعاً واقرب شبهاً من الحقيقة من خلال استطاعة صانع الشائعة من تزوير النصوص والصور ولقطات الفيديو وغيرها والعمل على ربط ذلك بسياق تواصلي حقيقي .
لأجل تلك المقاربات لتحليل العلاقة بين الاعلام الرقمي والاشاعة لابد من اعادة التفكير في ايجاد ادوات ووسائل تربوية جديدة قادرة على محاكاة التغيّر الاجتماعي المتسارع من خلال تعزيز التربية الاعلامية الرقمية الهادفة لانشاء جيل قادر على استخدام التكنولوجيا الرقمية بحرفية هادفة الى تنمية المجتمع والاستثمار بقدراته لحماية المجتمع من تداول الاشاعة عبر صناعة محتوى اعلامي قائم على المصداقية والموضوعية في ايصال الرسائل الاعلامية المختلفة.